وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله- دوافع متناقضة ومخاطر كامنة

بعد مرور ما يناهز العامين على احتدام حرب الاستنزاف، وشهرين على توسع نطاقها لتصبح حربًا شاملة، اتخذ كل من الكيان الإسرائيلي وحزب الله قرارًا بالتوصل إلى هدنة متبادلة لوقف إطلاق النار.
وعلى الرغم من الأهمية البالغة لهذا الاتفاق، إلا أن التقييم الموضوعي والمنطقي يشير إلى أنه اتفاق هش وقابل للخرق، وأن احتمالات فشله تتجاوز بكثير فرص نجاحه واستمراريته. ومع ذلك، فإن إبرام هذا الاتفاق يعزى بشكل أساسي إلى رغبة الطرفين فيه، مدفوعين بدوافع متباينة ومتضاربة للغاية.
بينما تعتبر إسرائيل هذا الاتفاق بمثابة نصر سياسي يعزز مكاسبها العسكرية والأهداف التي سعت إلى تحقيقها من خلال الحرب، وعلى رأسها إبعاد حزب الله عن حدودها الشمالية، وموافقته على فصل جبهة جنوب لبنان عن الأحداث الدائرة في غزة، وإيجاد نظام أمني تحت رعاية دولية يضمن تقليل تهديد حزب الله لها على المدى الطويل، فإن حزب الله ينظر إلى الاتفاق كفرصة لالتقاط الأنفاس وتضميد الجراح، والحد من الأضرار الجسيمة التي ألحقتها الحرب به، والبحث عن آليات تمكنه من التعافي من آثار هذه الحرب في المستقبل.
هذا التباين الصارخ في الدوافع يكشف عن المخاطر الجمة التي تكتنف تصورات الطرفين للمرحلة اللاحقة للحرب، في حال نجحت المهلة المحددة بشهرين في الاتفاق في إرساء تهدئة طويلة الأمد.
ومما يزيد هذه المخاطر حدة، الترتيب الأمني الذي يقوم عليه هذا الاتفاق، والذي يستند أساسًا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى حرب يوليو/ تموز عام 2006 بين الطرفين.
لقد نجح هذا القرار الدولي في الحفاظ على هدوء نسبي على الحدود لمدة تقارب الثمانية عشر عامًا، ولكنه لم يتمكن من منع اندلاع حرب واسعة النطاق مرة أخرى. كما أن كلاً من إسرائيل وحزب الله سعيا إلى تقويض القرار 1701 بوسائل وأشكال مختلفة.
إن الظروف المحيطة بالاتفاق الجديد تختلف جذريًا عن الظروف التي كانت سائدة عند إبرام اتفاق إنهاء حرب يوليو/ تموز. فمن جهة، تدعي إسرائيل أنها تمكنت من إضعاف القدرات العسكرية لحزب الله بشكل كبير. وتزعم أنها قتلت جيلًا كاملاً من قادة الحزب، بما في ذلك أمينه العام الراحل حسن نصر الله.
كما أن حجم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب الحالية في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، يتجاوز بأضعاف حجم الدمار الذي خلفته حرب يوليو/ تموز. ومن جهة أخرى، فإن قدرة الحزب على التعافي من هذه الحرب واستعادة قوته، أضعف بكثير مما كانت عليه بعد عام 2006.
ومن المستبعد أن يبدي المجتمع الدولي استعدادًا لدعم وتمويل عملية إعادة الإعمار دون ضمان تنفيذ بنود الاتفاق الجديد، وتمكين الدولة اللبنانية من فرض سيطرتها الكاملة في الجنوب وعلى المعابر والحدود مع سوريا؛ بهدف منع حزب الله من إعادة تسليح نفسه في المستقبل.
إن هذه التكاليف الباهظة المترتبة على قبول حزب الله بالوضع الجديد بعد اتفاق وقف إطلاق النار، والتي لا تقل في حجمها عن تكاليف الحرب نفسها، تثير شكوكًا عميقة حول مدى استعداده لتحملها. فالقبول بهذا الوضع لا يقوض قدرته على استعادة قوته العسكرية فحسب، بل سيفتح أيضًا نقاشًا واسعًا على الصعيدين الداخلي والخارجي حول جدوى بقاء سلاحه، طالما أن الدولة اللبنانية ستمسك بزمام المبادرة، وتتحول إلى شريك رئيسي في الترتيب الأمني الجديد على الجبهة مع إسرائيل.
ويبدو هذا الوضع مفيدًا بشكل أساسي للدولة اللبنانية، إلا أن الجيش اللبناني لا يرغب بالتأكيد في الدخول في مواجهة مع حزب الله لمنعه من إعادة التسلح أو لنزع سلاحه بالقوة. ولا يملك أي طرف، بما في ذلك الدولة اللبنانية وإسرائيل والمجتمع الدولي، رؤية واقعية لكيفية التعامل مع معضلة سلاح حزب الله.
ولكن المؤكد أن أي محاولة لمعالجة هذه المعضلة قد تؤدي ببساطة إلى إشعال فتيل حرب أهلية داخلية إذا لم تكن حكيمة للغاية، وإذا لم تأخذ في الاعتبار أن حزب الله لا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين شيعة لبنان، وأن قوته تمثل بالنسبة لهم ضمانة لتعزيز نفوذهم في السياسة الداخلية، فضلاً عن كونها ضمانة لحمايتهم من أي تهديد إسرائيلي لمناطقهم في المستقبل.
إن مهلة الشهرين المحددة في الاتفاق لانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة، وتخلي حزب الله عن وجوده المسلح على الحدود جنوبي نهر الليطاني، ستكون فترة اختبار طويلة نسبيًا لتقييم مدى قابلية الاتفاق للتطبيق على أرض الواقع.
ومما لا شك فيه أن حزب الله يرغب في تثبيت وقف إطلاق النار. ولكن من المؤكد أيضًا أن إسرائيل لن تتردد في استغلال أي فرصة للتشكيك في التزام الحزب بوقف إطلاق النار. وأي خرق لوقف إطلاق النار قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق في أي لحظة.
تكمن الإشكالية في مدى فعالية الترتيب المنصوص عليه في الاتفاق بشأن انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة. فحزب الله ليس جيشًا نظاميًا يمكن التحقق بسهولة من سحب قواته وأسلحته بالكامل من المنطقة. كما أن نسبة كبيرة من مقاتلي الحزب هم من سكان الجنوب.
يشكل وقف إطلاق النار مدخلًا لإنهاء الحرب، ولكنه في الواقع لا يقدم إجابات شافية للتساؤلات الجوهرية المتعلقة بالمرحلة اللاحقة لإرساء تهدئة طويلة الأمد. ومع ذلك، يمكن استخلاص ثلاث نتائج رئيسية بعد هذا الاتفاق:
- أولاً، أن كلاً من إسرائيل وحزب الله أذعنا في نهاية المطاف لحقيقة أن أيًا منهما غير قادر على تحقيق نصر حاسم في الحرب، أو الخروج منها بالطريقة التي يطمح إليها.
- ثانيًا، أن الترتيب الأمني الذي أرساه القرار 1701 لا يزال يشكل أساسًا هامًا لتشكيل ملامح المرحلة اللاحقة للحرب.
- ثالثًا، أن الولايات المتحدة قادرة على لعب دور حاسم في الدفع نحو وقف الحرب في المنطقة متى توفرت لديها الإرادة السياسية اللازمة.
ومن بين العوامل الرئيسية التي جعلت حربي غزة ولبنان بهذا القدر من الآثار الكارثية على الفلسطينيين واللبنانيين أن إدارة الرئيس جو بايدن انتهجت سياسة التضليل والخداع على مدار أكثر من عام، تمامًا كما فعلت إسرائيل، من خلال تجنب ممارسة ضغط حقيقي على حكومة بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب ومنحها المزيد من الوقت لتحقيق أقصى المكاسب الممكنة في غزة ولبنان على حساب حياة المدنيين الأبرياء.